رحيم (الفصل الثاني)

رحيم (الفصل الثاني )

 رحيم 
الفصل الثاني

وأخيراً طَرَق الرجلُ بابَ منزلِ حياة ثلاثَ طرقاتٍ وبقوة ...

-        السلام عليكم...أنا مبعوث لجنةِ العظماءِ وقد تم اختيارك لما تمتازين به من حنكةٍ نقيةٍ ضِمن الفئةِ العمريةِ التي تنتمين إليها ..

   ساد الصمت قليلا ثم بدأت حياة بالكلام...

-        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته,أمِنَ اللائقِ يا عمّ أن تحادثني دون أي تعارفٍ مسبقٍ بيننا؟ مَن أنت؟ وما لجنة العظماءِ تلك التي لم أسمع بها مسبقاً بالرغمِ من أنني على اطّلاع مستمر للأحداث في البلاد العربية والمؤسسات المقامة على أراضيها ؟ هل أتيت لاختطافي! أو لقتلي ثم المتاجرة بأعضائي؟!هل أنت سارق؟لا تُضِع وقتك فكما ترى أنا فتاة وحيدة وفقيرة ولن تجد عندي سوى لوحةِ الملاكِ تلك (وأشارت إلى لوحةٍ فوق سريرها) والقليل من الحنكةِ الّتي ورِثْتها عن جدتي كما قيل لي سابقاً! ولن تفيداك بشيءٍ فلا أحد يهمه الذكاء أوالفن فلن يبتاعهم منك أحد...أوووه يا ربي سأُُقتَل ولن يعلمَ أحد عني حتى تفوح رائحة تحلّل جثتي بعد أسابيع,لن تعيشي يا حياة الحياةَ التي رغبتي بها,أشعر بحزنٍ شديدٍ على مصيري الدنيوي الذي ليس بيدي تغييره أو اختياره ! و بدأت بالنحيب...

       أُصيبَ الرجل بالإنزعاج,وقال: يا لثرثرتك يا فتاة! التقطي أنفاسك وضعي الفواصل بين الجُمَل...هل ابتلعتي مذياعاً قبل مجيئي! يا لك من مزعجةٍ كثيرة الكلامِ و الخيالِ...وهل أنا في أحد افلام الرّعب حتى أقوم بقتلك بالرغم من أنني شعرتُ بالرغبةِ بذلك بينما أنت تثرثرين! لم تخبرني الكاتبة بأنك ثرثارة ولم يصلنا عنك سوى ذكائك و فطنتك.وأين تعلمتِ الحديث من على عتبة الباب! ألن تسمحي لضيفك بالدخول أو حتى الجلوس بالخارج لمحادثتك؟يبدو أنني قد أخطأت بالعنوانِ وهذا نادراً ما يحدث مع مراسلينا حول العالم .

قالت حياة:

-        أعتذرعما بدر مني...هوِّن عليك, ونعم.. تستطيع الجلوس بالخارج ..تفضّل يا عم ...لكن أرجو منك توضيح الأمور! فأنا لم أستوعب أي شيء مما قُلت.

-        حسنا,أنا"رحيم"وأنا مبعوث مجلس العظماء .

-        ومن العظماء؟

-        هم أشخاص تم اختيارهم إعتماداً على صفاتهم المرغوبة النقية .

-        وما الهدف من هذا المجلس ؟

-        التخلص من شرورِ العالم.

-        ليس لي القدرة بمواجهة مشاكلي الصغيرة فهل باستطاعتي مواجهة العالم باسره للتخلص من شروره! تكلّم بما يصدّقه العقل!

-        ها قد عدنا لثرثرتك وقد تكشّفت لي صفة جديدة ألا وهي كثرة السخرية ألا تلاحظين ؟

-       -  آآه,أعتذر منك  يا عم رحيم للمرةِ الثانية .

-        تستطيعين مناداتي برحيم دون عم ... فأنا لا أكبرك بسنوات كثيرة فما زلت بالقرن الأوّل من عمري!

-        صحيح لستً صغيراً ولا كبيراً جداً! أنت فقط منتهي الصلاحية!

-        لقد عدنا للسخرية...

-       - أُعاود الأسف ...لكن كيف باستطاعتي خدمتك يا رحيم بقدراتي البشرية الضعيفةِ تلك؟هل سأتغلّب على أشرارالعالم بهذا الجسد الضئيل وهذه القدرات البدنية شبه المعدومة ؟

-        لديك قدرات أقوى من القدرات البدنية والعضلية!

-        اتتكلم عني؟ أنا حياة؟وأي قدرات تلك!انا لا أستطيع حمل أنبوبة الغاز لتغييرها عند إعداد الطعام فلا أجد نفسي إلاّ عند صاحب الخضراوات أتناولها عنده واتغذى عليها دون الحاجة إلى طهوها!

-        أشعرأن ثرثرتك و تهكمك لن ينتهيا هذا اليوم وستعيقان طريقنا ! و سوف أنسى المهمّة المطلوبة مني والمهمات المُوكَلة إليكِ.

-        مهمات لي أنا؟ لكنك لم توضح أي قدرات تلك التي أملكها ؟

-        لديك عضلات دماغية قوية ..

بدأت حياة بالقهقهة حتى احمرّ وجهها و سقطت على الأرض من فَرْط الضحك وتعالت أصوات شهقاتها في كل أنحاء الحي فلم يسمعها أحد تضحك سنين طوال...تجمّع الجيران حول منزلها لمعرفة ما يحدث وما سرّالضحك فقد يفتعلون إشاعةً أُخرى يتسامرونَ بها في لياليهم المملة ذات الأحداث المتكررة.

    قال احدهم :

-        -ما المضحك يا جارتنا؟ فنحن لم نعتد على أي صوت في منزلك .

وقالت اخرى :

-        -هل اصبتي بالجنون؟هل تضحكين وحدك؟ أخبرينا فهناك عيادة للطب النفسي قريبة مِن هنا...

    وقال جارها القريب :

-       - متأكد من أنها تحادث الشياطين فكما ترون لا أحد يجلس بجوارها . يبدو أن صديقها الشيطان خفيفَ الظّل وصاحبَ نكتة !

أُصيبت حياة بالدهشة والصمت المفاجئ

(تفكر)

-      -  وحدي؟ شيطان؟ نكتة !ورحيم الجالس بجانبي!

لم يستطع رجال ونساء الحيّ من معرفة ما حصل ولم تخبرهم حياة بأي أمر مما حدث وقد التزمت الصمت...وعاد كل شخص منهم خاليَ اليدينِ إلى منزله فقد أفلتت منهم اليوم شائعةً جديدةُ للتداولِ فيما بينهم.

إلتفتت حياة الى رحيم قائلة :

-        -كيف لم يرك أحد وأنت بجانبي؟ وهل كنت أُحادِث نفسي طيلةَ هذا الوقت؟

-        -أنت لم تعطني فرصة للحديث والشرح فما زلت تتكلمين وتزاحمين المواضيع وتداخلينها ببعضها البعض ولم تتركي لي مجالاً للتحدث والإفصاح عما بداخلي من أمور ومهمّات يجب أن تُبلّغي بها قبل مغيبِ شمسِ هذا اليوم...وقطعاً قد عجِبتي عندما قًلت "عضلات دماغية"!

للأسف ليس هناك الكثير من الأشخاص ممّن يمتلكون هذه القدرات العضلية الهائلة؛ قدرات ستساعد البشرية على حلّ معظم المشاكل التي يواجهونها...

(استمرت حياة بالصمت و الإصغاء حتى تُكوِّن لديها تصوُّر متكامل لما يحدث)

وأنتِ أحد الأشخاص القلة الذين يمتلكون الفطنة والذكاء ومؤكد سوف نساعدك بمهمتك هذه فنحن أسهل بالتعامل من أي بشري وأقوى من أي جني وشيطان إذا كان هذا ما تفكرين به...

-        -إذن فأنتَ لست جنيًا أو شيطانًا!

-        كلا لقد أتيت من عالم موازٍ لعالمكم وأنا مبعوث منه ولن أستطيع تفسير ما أنا عليه فلن يفهم ذلك أحد, فأنا بين الخيال والواقع وبين الإنس والجن وبين الصلب والسائل, قدراتي تعلو قدرات البشر أضعافاً مضاعفةً .. مهمّتي تكمُن بالتواصل مع البشر المُختارين من قِِبًل رئيس مجلس العظماء بعد إنتهاء المشاوره مع بقية الأعضاء والمريح بهذا الأمر أنّ باقي الأعضاء هم من الجنس البشري وقد تم اختيارهم بعناية فمنهم من يمتلك قدراتٍ عضلية قوية ومنهم من يمتلك المالَ الوفيرَ وهناك من يمتلك قلباً كبيراً حنوناً والكثيرغيرهم,ونحن اليوم اخترنا صفة الذكاء وقد وقع الاختيارعليك لتمثلي عالمكم في هذا المجلس بناءً على صفتك النقية ألا وهي الذكاء,لكن حتى يوافََق على انضمامك إلى اللجنة عليك الخضوع لإختبار وإن أنهيته بنجاح ستحصلين على الموافقة وعلى ختم يخوّلك الذهاب حيثما شئت بالوقت التي تريدين...

قالت حياة :

-       - لقد اقتنعت بكلامك وأنا أعتذر للمرة الألف عما بدر مني سابقاً وأنا على أتم الإستعداد للقيام بالإختباروالمهمات الموكَلة إليّ بما أنها ستفيد البشرية أجمع وستخلصنا من شرورالعالم.

- أحسنت يا حياة...هذا ما توقعته منك,لديك الآن قائمة بالمهمّات الّتي ستقومين بها لكن بشرط ألاّ تعرفي جميع المهمات دفعة واحدة وكلما أنهيتي واحدة بنجاح سيفتح لك قفل المهمة الأخرى وهكذا حتى تنتهي مهماتك والتي سيببلغ عددها سبع .

وأما مهمّاتك فهي معلّقة بأغصانِ هذه الشجرة.

(أخرج شتلة صغيرة من جيبه وزرعها في تربةِ الحديقة ) وما أن زرعها حتى تحولت إلى شجرة كبيره ثمارها سبع أقفال.

للشجرة جمال عجيب,فأغصانها كأنها مغطاة بالذهب وأوراقها خضراء لامعة كالزّبرجد النقي أمّا جذعها فهو من الفضة الخالصة يبرق من شدة التوهج ,والأقفال فهي شفافة زجاجية كالكريستال تكاد ترى عوالمً كثيرة بداخلها ,وهذه الشجرة لا تطلب الماء أبداً... فهي تُسقى كل صباح باكر بعطر فواح فإنك تلتمس ذلك من الرائحة القوية الشبيهة برائحة المسك  المحيطة بها...و جذورها قوية جداً حيث يصعب اقتلاعها فقد حاول الجار أبو أحمد ذلك فهي تحجب عنه الرؤية كما كان يقول أو أنه أراد إزعاج حياة كعادته .

أبدت حياة إعجابها قائلة:يا لروعتها!

فأجابها رحيم:هي جميلة لكنها ستبدو أجمل بعد تخلصنا من بعض شرور العالم فهذه الأقفال تمنع عنا رؤية ما تخبئه هذه الشجرة من اخضرارٍ و شبابٍ و جاذبيةٍ دائمة ,حان وقت رحيلي لكن قبل ذهابي لك هذا الخاتم من الحجر الكريم إذا واجهتي مشكلة عليك بالهمس للحجرومناداتي ولك فقط فرصتان للمساعدة وأولها قد استُهلك بفتح القفل الأول لمعرفة مهمتك الأولى وقد تبقى لك فرصة واحدة للمساعدة فحاولي ألاّ تستهلكيها إلاّ في نهاية المهمات لأنها ستبدو أصعب كلما تقدمتي بحلها..


يتبع ...















تعليقات

المشاركات الشائعة