رحلة غريب (الجزء 3)


رحلة غريب (الجزء 3)

رحلة غريب 
الفصل الأول (3)
عندها اقتربت العديد من السناجب غريبة الشكل فقد كانت طويلة رشيقة لها انيابا حادة و يالغرابتها و قامت بسحبه من ثيابه فاستجاب لرغبتها وقام بالسير معها محتاراً خائفاً لما سيحدث بعدها و إلى أين تقتاده هذه المخلوقات الصغيرة ؟ وواصلت السناجب بالسير وسحبه نحوها  إلى أن وصلوا إلى أشجار كثيفة جداً .. و حُزمَتي أغصان كالحبال القوية تبدو كشلال الماء وبعدها وقَفَت مجموعَتي السناجب متقابلتين وكل مجموعة تتعاون فينا بينها لإبعاد الحزمتين عن بعضهما كمن يفتتح ستارة المسرح وإذ بمشهد عظيم يتجلى أمامه "جنة على الارض... هي فعلا فردوس عظيم " ...هذا ما فكر به ..
خيول ساحرة ..شعرها كخيوط الشمس اللامعة ..و أجسادها كضوء القمر المشع في الظلمة الحالكة ..أما عيونها فقد رسمت بريشة فنان ولن أستطيع وصف مياه الجدول فهي خارجة عن كل تصور وخيال ولن تتخيل أبداً مدى الإبداع في أدق التفاصيل .. متلألئة كحبات اللؤلؤ الهاربة من عقد نفيس ..أما الأشجار فقد كانت أوراقها ناعمة كالحرير  ومتنوعة الثمار فمنها ما ينتج الياقوت ومنها ما يخرج الزمرد والكثير الكثير من الحجارة النفيسة وأما أغصانها فهي حنون عطوف على كل طير من طيور الغابة وتحتضن الألوف منها وجذعها السميك ما كان سوى وسيلة حماية لكل هذا الجمال .. فمن يحاول الإقتراب منها ستؤذيه أسلحة الصمغ المنطلقة من قِبَل هذا الجذع القوي .
تعجّب كثيرا لما يراه :
-         هل ما أشاهده حقيقة ؟أم أنها فقط من محض الخيال .. أعتقد بأنني نائم وأنا الان في منتصف الحلم الجميل الذي طالما تمنيت أن أراه .. ومن يكون هذا العنكبوت العملاق المخيف وهذه السناجب و غيرها من الحيوانات؟ ألاحظ أنهم لا يفهمون ما أقول .. لكن هل ما أفكر به صحيح؟ هل يسمعون حقاً ما يخطر على البال..؟ حسنا سأقوم بالتجربة ...
فكّر بينه وبين نفسه :
-         كم هي  رائعة هذه الجواهر سأحاول الإقتراب منها خلسة ليلاً كي لا يراني أحد و أقوم بالإستيلاء على عدد كبير منها فأنا حتما سأعرف حقيقتي و ستفيدني هذه الجواهر يوماً...
و هكذا حلّ الليل و قد كان متأهبا للإختبار الذي وضعه ليثبت صحة نظريته ..
استعد للذهاب الى خلف شلال الأحلام ذاك ..و ما أن وصل المكان حتى انقضّت جميع القرود عليه و بدأت بضربه لإبعاده عن المكان .. لقد كانت تضحية كبيرة منه في سبيل معرفة إذا ما كانت هذه المخلوقات تسمع ما يفكر به حقا ,أم هي مجرد صدفة ...و بدأ بالتفكير:
-         أنا لم اصدق ما خطر في ذهني لقد كان اختبارا والآن قد اكتشفت سر التواصل معكم ..أعتذر منكم كثيراً لم استطع استيعاب الأمور بشكل جيد سابقا و قد كنت شديد التهور والطمع لدخول هذا العالم الجميل , أما الآن فقد أصبح من السهل التواصل معكم ..
و هكذا توقفت القرود عن الهجوم وهدأت قليلاً حتى ظهر الخوف من كل مكان وحل الصمت و بدأت الحيوانات بالتّلفُّت حولها .. و إذ بالعنكبوت الضخم يحادثه بطريقتهم الخاصة :
-         حسناً اذن .. أنا سأتعامل معك بحسن نية وسادّعي الثقة بكل ما تفوهت به لكن بشرط أن تخبرنا عن نفسك وسبب مجيئك إلى هنا ..
-         فأجابه : لأكون صريحاً معكم.. أنا لا أذكر شيئا من الماضي لا أعرف اسمي و من أين اتيت ؟ و أين انا وكيف وصلت الى هنا ؟ حتى انني لا أعلم ما أنا بالتحديد وكيف أبدو .. و لا أدري من انتم و ليست لدي أي نوايا خفية ضدكم , أرجوكم فأنا أقول الصدق.
فقال له :
-         يبدو أنك قد مررت بتجربة صعبة جداً هذا ما يبدو لي من هالة الضياع المحيطة بك .. حسناً سأزوّدك ببعض المعلومات عنا ..أنت هنا في غابة "غلاديلاس" المكان الأكثر سحرا و جمالاً في هذه الحياة الذي إن دخلته ستشعر بأنك جزءا منه و بأن لك حياة سابقة بين أركانه ..يمدك بالصفاء الذهني و النقاء الروحي في الوقت الذي تحس فيه بالبعثرة والتشتت ..
فرد عليه :
-         اعتقد بأنني قد سمعت بهذا الاسم مسبقاً .. اسم هذه الغابة ليس غريباً عليّ لكنني لا أذكر أين سمعته بالتحديد  ..
أجاب العنكبوت:
-         نعم .. الغلاديلاس هو نوع من الأزهار و يبدو أنك قد صادفتها يوماً بحياتك السابقة .. و أعتقد أنك الآن أُصبت بالحيرة لسبب تسمية هذه الغابة بهذا الإسم فليس هناك أزهاراً كما ترى في غابتنا ..
-         - نعم هذا حيرني كثيراً..
-       -  أرايتَ كجمال هذا المنظر الواقع خلف الشلال من قبل ؟
-         لأكون صريحاً فانا لا أذكر شيء كما أخبرتك مسبقاً لكنني أشك بأنني رأيت أو سأرى كهذا المنظر الخلّاب في حياتي كلها ..
-         - قطعاً لن ترى ..... فهو من وحي الخيال !
-        -  وكيف ذلك !
-         هذا الشيء رائع الجمال الذي تراه ما هو ألّا وهم في مخيلتك فهي كالخدعة البصرية .. ليس إلا أسلوبا من أساليبنا في الحماية ..
-         - وما سبب هذه الحماية ؟ وهذا الخوف ؟
-         خلف هذا الشلال تقع مزرعة أزهار الغلاديلاس .. تلك الزهرة التي ترمز إلى قوة الطابع و الإخلاص ..
-           - و لماذا تقومون بحمايتها ؟ فهي ليست سوى مجموعة من الازهار بلا قيمة تذكر ..
غضب العنكبوت كثيرًا لما قاله فأطلق خيوطه من جديد لتلف جسد الرجل النحيل وتمنعه من الحركة واقترب منه حتى لامس وجهه..قائلاً :
-         لهذه الزهرة الكثير من المعاني.. إيها البشري المادّي ..
قاطعه :
-        -  بشري !! 
فاكمل العنكبوت حديثه متجاهلاً ...
-         - فبالاضافة إلى رمزيتها بالإخلاص فهي تُعتبر ثروة قومية لمملكتنا ولها أيضاً ميزة أخرى لا يعلمها أحد !!
-         - هلا أخبرتني بها ارجوك .. اشعر أنني صادفتكم لحكمة ما وبأن هذه الميزة ستساعدني كثيراً في معرفة هويتي ... التي ربما قد أخطأتَ و أخبرتني بها قبل قليل ! 
-         - يبدو أنك قد أصبت التفكير .. لعطر هذه الزهرة أهمية كبرى في استرجاع الذاكرة ..
-         - لا يعقل ؟ وهل ستحل مشكلتي بهه البساطة ؟ وأخيرا سأذكر كل شيء أحمدك يا إلهي وأشكرك أيها العنكبوت ...
-         -يمكنك مناداتي ب"السيد الكبير" و لماذا تشكرني ؟ فأنا لن أعطيك فرصة لاستخدام العطر! لقد وُجِدنا لحمايته وليس من المنطقي أن تحصل عليه وبهذه السهولة...
-        - لماذا؟ أنا لم أسبب لكم الأذى وقد فسرت تصرفاتي الأخيرة فانا لم أكن أطمع بشيئ .. أرجوك ساعدني فأنا محتار جداً و أعيش في دوامة من الذكريات المبعثرة التي لا اجد لها تفسيرا محددا .. أتعرف ما احس به ؟ و كأن أحدهم امسك بذاكرتي و استخدم مقصاً قوياً لقصها إلى أجزاء صغيرة ثم قام بإلقائها في كل الأرجاء و لن تعود ذاكرتي إلا إذا عرفت صاحب هذا المقص ...
-         - قطعا سأساعدك لكن عليك الحصول على الزهرة بمفردك و لن نسمح لك بالحصول عليها بسهولة .. سأخبرك بالطريقة فقط ..
-        -  ارجوك اخبرني ساكون تحت امرك و طوعك ..
-         -أترى الجبل هناك ؟
-         -نعم .. هو واضح للعيان و يبدو قريباً جداً من هنا ..
-        - كلا هو أبعد مما تتخيل .. فكن على علم أن كل شيء هنا ما هو إلا خداع بصري.. لا تصدق كل ما هو جميل أو قريب و سهل الوصول .. فنحن نشبه عالمكم بهذا الشيء ...
-       -  لم افهم ! لقد قلت إنني بشري من قبل هل أنا انسان حقا ...؟
-         -سأخبرك بواقع الأمر . فأنت من البشر فقد سبق وأن رأيت أحدا منكم لكنني لم أحبذ اطلاعك على هذا الأمر ..و أنتم عالم البشر يكثر عندكم الخداع والكذب وهذا شيء مشترك بيننا كما يبدو ..
-        - اه حقا أنا بشري! حسنا أخبرني كيف لك أن تساعدني ؟
-         -عند وصولك لذاك الجبل .. ستجد ما هو أعظم مما قد يتصوره عقلك المحدود .. لكن أولا عليك أن تستخدم اسماً مستعاراً ما دمت قد نسيت إسمك الحقيقي فعلينا مناداتك عند التواصل معك ما رأيك ب"غريب" ؟ سنسميك غريباً فهو يليق بك جداً ..
-         -نعم غريب هو اسم جيد و يناسبني تماما و أنا في هذه الحالة التي أمر بها .
-       -  لكن هناك شرط عليك الالتزام به... عليك أن تسير دون النظر إلى الخلف ..أحذرك أن لا تنظر إلى الخلف و إلا....
فقاطعه الغريب قائلا:
-        - لا تكمل ! توقف عن الكلام  أرجوك ..
يتبع... 

تعليقات

المشاركات الشائعة