رحلة غريب ( الجزء 5)

رحلة غريب ( الجزء 5)

رحلة غريب 
الفصل الثاني 

اليوم الثالث والعشرون من شهر نيسان عام 2019 م ..
يتجمهر جمع من الناس في شارع عام و تطلق السيارات زواميرها تعبيراً عن الغضب فهناك من تأخّر عن عمله .. ومن كان على عجلة للوصول إلى المشفى .. وهناك من كان حزينًا فعليه اللحاق بجنازة أحد الأقارب .. لكنّ الطريق مزدحم .. 
يصرخ أحدهم :
-         - من سبب هذا الازدحام ؟ يجب أن أقدم شكوى لدائرة المرور ... 
و غاضب اخر :
-         - لا يجوز أن أتأخر أكثر من ذلك مؤكد سأفصل من عملي ..
و تبكي إحداهن و تصرخ :
-أرجو أن يتوقف هذا الإزدحام فأنا بحاجة ماسّة للوصول إلى جنازة جدي ...
فلننظر نظرة خاطفة إلى الشارع .. فسبب هذا التعطيل هو أن  أحد الرجال كان ملقى على الأرض لا أحد يعلم من أين أتى وكيف ظهر للعيان فجأة ..
كيف لهذا الشخص التواجد في هذا المكان وهو لم يكن هنا منذ لحظات قصيرة ..!
فلنعد للرجل.. كان طويلا اسمر البشرة ذو ذقن حاد يملأ الشعر وجهه كان وسيما بالرغم من نحالته ... لا أحد يعلم ما حصل لهذا الرجل ...ويبدو أنه فاقدٌ  للوعي أو قد يكون ميتاً فلا أحد يجرؤ على الإقتراب منه فهو كالظاهرة الغريبة التي تفاجئنا بظهورها وقام أحدهم باستدعاء الإسعاف ليروا ما هي مشكلته فقد تناسى الجميع وجوده المفاجئ للحظات ... فحياة إنسان على المحك هنا ...
اقترب رجال الإسعاف من الموقع وأفسح الجميع المجال لهم للتحرك بحرية ثم قاموا بحمله ووضعه على حمالة الإسعاف والذهاب به نحو سيارة الاسعاف المجهزة بأفضل العدة والأجهزة .. بعد أن تأكدوا من ضربات قلبه وأنّه ما زال على قيد الحياة ..اتجهت سيارة الإسعاف نحو المشفى ووصلت بعد مضي ربع ساعة لاختيار غرفة مجهزة بالأجهزة و أفضل الممرضين والأطباء..
بدأ الأطباء برحلة استكشاف هذا المريض وسبب وجوده في المشفى  قاموا بعدة فحوص سريرية واستمرت هذه العملية اسبوعاً كاملاٍ يجهل بها الأطباء سبب الحالة المرضية التي أمامهم .. فالفحوص جميعها لا تدل سوى على الوضع الطبيعي لأي إنسان صحيح البدن .. فضربات قلبه وقياس الضغط والسكر لديه فى معدلاتها الطبيعية ولم يجدوا اي خلل آخر في جسده يستدعي حالة الاغماء تلك ...احتار الاطباء كثيراً لما يمكن أن  يكون مصير هذا الشخص .. فهم لم يتعرفوا هويته أو من هم  اقرباءه وعليهم التواصل معهم لدفع رسوم المشفى والاطمئان على مريضهم ..ولكنّ العديد من الشهور قد مرت ولم يظهر أحدا للسؤال عنه..  
      يجلس الطبيب " علي" على مكتبه وبيده كتاب عن أغرب الحالات المرضية النادرة التي حدثت في السنوات الأخيرة وعن أسبابها لعله يجد إجابة للحيرة التي انتابتهم فور وصول هذا الرجل الى المشفى . وأخذ دفتر ملاحظاته وبدأ بتدوين جميع الأعراض والأسباب التي اكتُشفت مع كل حالة من هذه الحالات .وركز على الأسباب الصغيرة  التي تكاد أن تكون مهملة في بعض الأحيان  وقرّر القيام  باجتماع  مع أشهر وأفضل أطباء الدولة بعد أن اخبرهم بالحالة وتزويدهم بكافة الفحوصات التي قامت بها المشفى في الليلة السابقة  لكنهم قد قرروا أن يكون اجتماعا سريا لما لهذه القضية من غموض غريب.
بدأ الاجتماع كما قُرّر وأبدى كل طبيب منهم رأيه بخصوص هذه الحالة وطلب كل منهم فحوصات معينة تقام للمريض عسى أن يجدوا حلا للمشكلة وبعد انتهاء الإجتماع بدأ الطبيب علي بعمل جميع الفحوصات التي طلبها زملاءه و بكل سرية بعد أن قرر أن يدفع جميع رسوم المشفى المطلوبة فمن مصلحته أن يبقى المريض هناك طيلة مدة الفحوصات إذ لم يقم أحداً من عائلته التواصل معهم بعد.
مرّت فترة زمنية لا بأس بها بعد القيام بالفحوصات وقد ظهرت النتيجة ؛هو من أكثر الناس صحة في هذا المشفى حتى أنه بصحة افضل من الطبيب علي نفسه ,غضب الطبيب علي لما قرأه من نتائج فليس من مصلحتهم أن يكون سليماً ومعافى فهذا لن يفسر أبدا حالة الإغماء تلك .
وفي وقت الظهيرة....
فجأة بدأ جسد المريض بالارتعاش و بدأت دقات القلب تتسارع وكأنه يقوم بمجهود قوي كمن يجري خلفه حيوان مفترس للانقضاض عليه و بدأ بالصراخ : 
-         -لا ...لا ... لن تأكلني أيها المخلوق المخيف المقرف, ابتعد عني .. !
و  بدأت حدقتي عينيه بالاتساع وازدادت سرعة ضربات القلب وكمية التعرق  وبدا و كأنه في حالة من الغضب .. اندفع الممرضون الذين كانوا على قرب منه ليحاولوا التقليل من هذه الأعراض فهذه أعراض تدفق الأدرينالين وهذا ما فاجأ الأطباء والممرضين فليس هناك من خطر يستدعي كل هذا .. فهو نائم منذ شهور في هذا المشفى وبراحة تامة  ..وبعد دقائق معدودة هدأ المريض وعادت جميع القراءات على الأجهزة الطبية إلى معدلاتها الطبيعية ...
عاد الطبيب علي إلى غرفته وأغلق على نفسه الباب محبطاً بسبب الأحداث التي مروا بها و بسبب عدم معرفة التشخيص الصحيح لهذه الحالة الطبية الغريبة..
فقال :
-         أيعقل انني قد فشلت في تشخيص هذه الحالة ؟ أنا من حصلت على عدة جوائزوشهادات التقدير و التكريمات على اخلاصي في عملي وعلى ابحاثي العلمية التي استعان بها جميع أطباء العالم! هل سأعلن فشلي بعد هذه المسيرة الطويله في المهنة التي احبها!لا !! لن اقبل بذلك ابدا!!
وأمسك بكأس ماء كان على الطاولة وألقى به أرضاً حتى كُسِر وتناثرت أجزاءه في كل أنحاء الغرفة وركض نحو مرآة معلقة على الحائط  وضربها بقبضة يده حتى نزفت و بدأ بالصراخ والبكاء بشكل هستيري ..هرعت الممرضة المساعدة له وحاولت فتح الباب لكن دون جدوى فاستدعت رجال الامن للمساعدة بفتح الباب و قاموا بخلعه بعد صراع  دام خمس دقائق.
و ما أن دخلوا الغرفة حتى شاهدوا الطبيب يلف شاشاً على يده و يضع عليها بعض السائل المعقم يبدو أن الجرح سطحي وليس هناك ما يستدعي الخوف .وقاموا بتنظيف الغرفة من آثار الدم وإزالة الزجاج المتناثر في كل مكان.

قالت الممرضة ليلى:
-         عليك أن تتماسك و أن تفكر ملياً قبل القيام بأي تصرف غير لائق بطبيب مشهور مثلك , فكما تعلم الكثير من يحاول تشويه سمعتك للوصول الى مركزك وأهميتك في بلادنا وأنت لا تفكر أبداً في لحظات الغضب... وكيف لنا الآن اقناع رًجُلَي الأمن بعدم التفوه بأي شيء مما رأوه  في هذه الغرفة ؟وأن اقنعتَهما هل سيلزمان الصمت حقا!
أحس علي بالغباء لوهلة ! كان عليه أن يتمالك أعصابه جيدا فهي حالة مرضية كغيرها من الحالات حتى لو كانت صعبة فلا بد من حل لها ومؤكد هناك علاج لهذا الرجل المجهول المسكين القابع في تلك الغرفة .

يتبع .....










تعليقات

المشاركات الشائعة