رحلة غريب ( الجزء الأخير )

رحلة غريب (الجزء الأخير )








 رحلة غريب 
الفصل السادس والأخير

مر وقت طويل منذ وصول غريب لقمة ذاك الجبل وعودته إلى غابة غلاديلاس فلم تكن المسافة التي قدّرها واقعية .. فهو بعيد جداً واستغرقت الرحلة شهوراً عدة .. أُصيب غريب بالكثير من الكدمات والجروح خلال هذه الرحلة وأحسّ بالتعب النفسي والاضطهاد ممن يقطن هذه المنطقة فالجميع يهاجمه ويضربه ويسبّب له الألم .... لكن غريب مصر لمعرفة الحقيقة وسبب وجوده هنا وهو لا يزال حائراً؛ ما سبب هذه الاحداث؟ و هل أذنب يوما حتى أُصيب بكل هذا ؟ أم هي مؤامرة كونية ضدّه؟
استمر غريب بالسير حتى وصل بيت السيد الكبير وبدأ ينادي بصوت حزين منقطع الأنفاس :
-         أيّها السيد الكبير لقد عُدت ... إنّني هنا .. لم أعد أُطيق البقاء..أرجوك ساعدني أودّ الخروج .. لا أريد المكوث هنا دقيقة واحدة ,ولايهمني إن عرفتُ الحقيقة ..أرجوك أعدني إلى حيث أنتمي فأنا منهك جداً ...قلبي يتألم كثيراً ..أحسّ بأنّ جسدي قد بال وبأن العمر تقدّم بي .أشعر بأنّني أصبحت فريسة سهلة لكل من يقترب مني,أحساس غريب خالجني؛ وكأن أحدهم قد سلب أعزّ ما أملك ...
-         ماذا هناك ؟ لماذا الصراخ والبكاء أيّها الغريب؟هل آلمتكَ رحلة قصيرة كهذه؟ وما رأيك بمن يصادف أحداثاً كثيرة كهذه طيلة عمره منذ الطفولة .. اتعتقد بأنّك تعاني؟ أترى بأنك ضحيةً وأنّ الجميع مجرمون هنا!!
استيقظ من غيبوبتك ومن نرجسيتك الآن ...فلستَ محور الكون ولست
أفضل من غيرك,عليك التعود على ما يحدث,وليس كل ما تطلبه قد يجاب.. ولن تعود الى عالمك حتى آمر أنا بذلك .. ولا أرى أي داعٍ لعودتك في هذا الوقت .. لستَ جاهزا بعد .. لكنك في خطواتك الأولى وقد حققتُ ما أبغاه منك في هذه المرحلة ... فأنت تستحق كل هذه المحن وهذه الآلام ...

تعجّب غريب مما قاله ومن هذه القسوة .. فماذا فعل ليستحق كل هذا؟ وهل كان سيّئاً لهذا الحد.. لكنّه حاول تناسي ما حدث معه  فليس أمامه أي خيار سوى الاستمرار وتحقيق غاية السيد الكبير وبهذا الشكل سيتخلص مما هو فيه وسيعود إلى عالمه .. فالصبر مفتاح الفرج كما يقولون ..

وصل غريب الى غابة الغلاديلاس ويملأه التفاؤل فمؤكد ستحل مشاكله جميعها الآن و سيصل الى العطر الذي سيساعده على استعادة الذاكرة ..

اقترب غريب إلى حيث شلال الأحلام ذاك ... لكنه لم يره وحتى أن الخيول قد اختفت وظهرت أزهار الغلاديلاس وكأنّها قريبة منه ... يبدو أنّ الماء السحري قد أزال كل ما يعيقه من رؤية الغابة,وأخيراً قد يجد غريب ما يبحث عنه طيلة هذه الفترة ,وسيتبدد جميع الضباب المحيط  بالحقيقة...

حاول غريب دخول الغابة فتقدّم بخطوة واحدة فقط للدخول  وما أن اقتحم الغابة حتى سقطت على رأسه شباك السيد الكبير وقام بتثبيته من جديد ..
سمع صوتا من بعيد:
-         وهل تظن بأنك قد وصلت إلى ما تريد؟أنت فرح كما أرى!
-         السيد الكبير؟
ارتجف غريب من الرعب و أصيب برعشة قوية .. و بدأ بالبكاء وقال :
-         ها قد فعلت كل ما تريد.ألن تسمح لي باستخدام العطر؟ أنا بحاجته أرجوك ..
-         بلى سأسمح لك بالحصول عليه لكن بشرط.
(بدأ بالتلعثم)
-         سأنفذ كل شيء مؤكد .. لن...لن أخذلك أبدا فـ فـ فأنا كماترى ضعيف جداً وو وأحتاج مساعدتك لست بموقف يسمح لي بالكِبَر ...
-         هذا رائع اذن فقد حققتُ الخطوة الثانية إنك تسير على الخطى الثابتة التي رسمتها لك ولم يتبقى الكثير لتجد ما تبحث عنه وما أريده منك ..,حسنا بإمكانك الدخول الى الغابة ..لكن إحذر من الأفاعي! فهي سامة وتستهدف دائما النرجسيين وقاتلي الأحلام..
لم يفهم غريب ما يصبو إليه السيد الكبير بكلامه المبطن هذا .. واستعد للدخول إلى الغابة فهو لا يهمه سوى الوصول إلى تلك الأزهار,فلا يرى سواها الآن!

     اقترب غريب أكثر من الازهار و تلمسّها بكلتا يديه .. تحسّس نعومة نسيجها واشتم رائحتها العبقة ...يا للغرابة  فقد شعر برغبة كبيرة في تذوق بتلاتها ! وهل هي قابلة للأكل؟ أيستطيع ذلك؟ اقترب بوجهه نحو الزهرة وفتح فمه محاولا تناول القليل منها .. وما أن دخلت فمه حتى بدأ بتقطيع البتلات بأسنانه وقام بمضغها سريعا , لقد أحس بالجوع المفاجئ وقد اشتهى تناول هذه الازهار بغير وعي منه .. توقف غريب قليلا عن ذلك ... لا يمكن وصف الأحداث التي مر بها .. وجد نفسه واقفاً في غرفة أطفال واسعة جميلة وردية الجدران تملؤها الألعاب في كل اركانها وكانت هناك  طفلة صغيرة ترتدي فستانا اسود وحذاءً أحمراً وقد كانت غارقة في دموعها وهي تحتضن علبة موسيقى بداخلها دمية راقصة  ..اقترب من  الطفلة الصغيرة فبدأت تصرخ : توقف يا عم توقف ! أنا لم أفعل شيئاً خاطئاً ...
وجد في يده سكينا حادا وبضع قطرات من الدم المتناثرة حول الطفلة الصغيرة ... وخطوط حمراء على كفتي يديه وكأنه يضغط على أداة قاسية بكل قوته ... تخيل غريب ما حدث في هذه الغرفة لكنه أراد تكذيب نفسه .. كلا هو لن يفعل ذلك بطفلة صغيرة ... مؤكد هو كابوس مزعج لا غير..
بدأت الطفلة بالبكاء والصريخ : كيف لك أن تفعل ذلك يا عمي أنا لم أخطئ بشيء , ولم أفعل ما يؤذي أي أحد , كيف لك أن تعاقبني لذنب لم أقم به .. لمَ تضربني بهذه القسوة ؟ لماذا تكرهني يا عمي فؤاد؟
فؤاد ! سمع غريب هذا الإسم وسارت القشعريرة في بدنه .. والتفت للخلف وفكر قليلا : إنه إسم مألوف بالنسبة لي .. لقد سمعته مسبقا ..يبدو إنه اسمي الحقيقي.. فؤاد .. وهذه الطفلة هي ابنة أخي , ما اسمها يا ترى؟
وبعد لحظات  شاهد شخصا آخر يفتح باب الغرفة ويقترب راكضاً نحو الطفلة . لماذا تبكين يا روز؟ ماذا هناك؟ ما سبب هذه الدماء؟ من المجرم الذي قام بذلك؟ بحث الرجل جيداً في أنحاء الغرفة ولم يجد أحداً .. وقام بسؤال الصغيرة عما حدث .. وإذ بها تلتزم الصمت .. هي لم تنطق حرفا واحداً مع أباها بعد هذا اليوم .
تلاشى المشهد من مخيلة فؤاد ثم التفت الى الطفلة الصغيرة  وما أن فعل ذلك حتى وجدها بغرفة مظلمة ضيقة وكانت مرمية على الأرض حيث رُبِطت يداها وقدماها  بحبال قوية وحولها كلاب مفترسة تحاول الانقضاض عليها وكأنها وجبة غداء لذيذة  ووجد نفسه واقفاً خلف هذه الكلاب مبتسمًا ابتسامةً تملؤها الخبث .. وسَمِع نفسه يقول: هيا يا كلابي هيا تستطعين اللهو قليلاً مع هذه الطفلة فهي بلا فائدة بالنسبة لي وبإمكانك تناولها عند الإنتهاء من اللعب  .. تصرفي على سجيتك فهي ليست بهذه الأهمية وبدأ بالضحك الهستيري  ..
ومرة أخرى رأى مشهدا غريبا بالفعل وبنفس الغرفة الضيقة .. وجد روز تشرب كأساً من الحليب ويبدو أن بعض أقراص المنوم قد وُضِعَت فيه  وما أن وصلت بالشرب إلى منتصف الكأس حتى استسلمت للنوم وكان المكان مليئا بالأفاعي السامة التي التفت حول الطفلة , لكن الأفاعي ابتعدت وحدها وغادرت الغرفة .
وبعد لحظات قليلة  وجد فؤاد نفسه يرتدي قناعا مخيفا وبيده سوطاً كالمستخدم في ترويض الخيول  في غابة كبيرة يكسوها الضّباب وكانت روز تبكي راجية العم فؤاد بالتوقف عن هذه الأفعال المخيفة .. لكنه بدأ بالصراخ : عليك بدفع ثمن ما فعله جدّك وأبوك ! فخافت كثيراً وبدأت بالعدو مبتعدةً عنه وبدأ بمطاردتها في أنحاء الغابة المعتمة  كان يستدلّ بسهولة عليها برغم الظلمة لإرتفاع صوت بكائها وخوفها منه ... حتى أمسك بها وقام بضربها بالسوط عدة ضربات متتالية ما أفقدها الوعي وقام بِعَضّها في كتفها الأيمن ثم ألقاها على حافة الطريق بآخر الغابة بثوبها وحذائها المهترئين من شدة الضرب والركض وكانت  تبعد عن السيارات مسافة لا بأس بها .

دُهش فؤاد لما شاهد فهذه الأحداث ليست جديدة بالنسبة له ! فقد مر بها في حياته  الواقعية ..تذكّر فؤاد كل شيء .. تذكر قسوته وعنفه مع ابنة أخيه ...شاهد ظلمه لهذه الطفلة التي لا حول لها ولا قوة .. أيقن فؤاد بهذه اللحظات سبب ما أصابه من ضرب وتعذيب وانعدام الأمان ..إنّه القدر فقد بدأ بلعبة الإنتقام .. والتي تقودها روح روز الطفلة ذات العشر أعوام .. التي فقدت الأمان بوقت مبكر..

الحادى والعشرون من شهر أيلول .. في وقت مغيب الشمس
حرك الرجل الغريب في المشفى أصابع يديه ثم حرك قدمه اليسرى وفتح عينيه ..
لاحظت ليلى ذلك وأسرعت لتستدعي الدكتور علي ..
قالت:
 -دكتور أسرع... لقد استيقظ المريض ..إنّه يحرك يديه وعينيه هيّا أسرع ..
هرع الطبيب علي إلى حيث ينام المريض وقال :
-         واخيراً قد استيقظت لقد أخفتنا يا رجل .... وبدأ بالقيام بالفحوصات المعتادة ليطمئن على سلامته ..
-         هل تستطيع الكلام ؟ أخبرنا ما اسمك ؟
بدأ الرجل بالنطق رويدًا رويدًا :
-         اسمي ...اسمي ..فـ فؤاد ..
-         جيد يا فؤاد أن جميع المؤشرات تدل على انك بخير لا تخف لقد زالت مرحلة الخطر.
-         (وبحزن شديد ) :أشكرك أيها الطبيب .
-         سأتركك لتأخذ قسطاً من الراحة .. وسوف نعود بعد أن نكمل باقي الفحوصات للإطمئنان عليك . خذي يا ليلى هذه العينات لفحصها وعند خروج النتائج وافيني بكافة التفاصيل .
 ترد ليلى: -أمرك أيها الطبيب ..
يجلس علي مرتاحا في غرفته  وبجانبه معتز متناسيان الأحداث التي مرّا بها .
يقول معتز: الحمد لله لقد انتهت قصة هذا المريض الغامضة على خير .
-نعم أحمد الله على ذلك. لكنني في حيرة من أمري ما الذي أتى به الى الشارع ؟ وما قصته ؟ وأين عائلته التي لم تسأل عنه منذ أشهر؟
- لا تشغل بالك بهذه القصص ..افتح لنا التلفاز لنستمتع قليلا وضع على القناة الرياضية لم نشاهد التلفاز منذ مدة طويلة .
- امسك علي بجهاز التحكم عن بعد وفتح التلفاز وبدأ يقلب في القنوات بشكل عشوائي . حتى وصل الى قناة تظهر بها صورة الطفلة الصغيرة التي تغزو أحلامهما هذه الفترة .
انتفض علي وأُصيب بالرعب .. إنّها نشرة الأخبار وهناك شخص يتحدث عن طفلته المفقودة منذ شهور ... وهو غارق في البكاء..
يقول: أرجوكم ..أريد طفلتي روز ... طفلتي الصغيرة كانت ترتدي هذه الثياب عند غيابها المفاجئ ... لقد التقطنا هذه الصورة صباحًا في عيد ميلادها وبالليل كانت قد اختفت ولم نجد لها أثراً والشرطة تبحث عنها منذ ذلك الوقت ولم يجدوا لها أثراً ... ربما استطاع المشاهد أن يساعدني بالبحث عنها فهذا أملي الأخير.. أرجوكم ساعدوني ..
صمت علي ومعتز من هول الموقف .. ولم يتكلما لمدة ربع ساعة ..
وبعدها قال علي : يبدو أنّ مفتاح هذه القصة بيدينا ...
-         ألم تلاحظ شيئا ...؟
-         ماذا ؟
-         الشخص على التلفاز يشبه المريض فؤاد ..وكأنهما فلقتا فول قسمتا لنصفين !
-         ماذا! وكيف غاب هذا الشيء عني ؟
-         أنت الذي جلست معه مطولاً لم تعرفه أمّا أنا فقد رأيته مرة واحدة فقط .أرأيت كم أن صديقك ذكي ؟
-         حسنا يا ذكي ..يجب أن نذهب لنقابل الرجل الذي في التلفاز .. أعطني رقم القناة لنحاول التواصل معهم ..
يضرب علي الرقم على هاتفه ويتصل على القناة ..
-         لو سمحت أريد عنوان الرجل الذي كان يبحث عن ابنته على قناتكم ..
-         نعم  تفضل ..هذا هو العنوان . هل بامكانك تزويدنا بمعلوماتك حتى نقوم بالتواصل معك ؟
لم يجبهم علي وأغلق الهاتف على الفور .
واتجه الإثنان نحو عنوان منزل ذلك الرجل .. وقد حمل علي معه شيئا ثمينا قد يخصه .
ووصل الإثنان لمنزل الرجل وقاما بضرب الجرس  ,فتحت امرأة جميلة الباب وكان الحزن قد أسر ملامحها الجذابة ..
-السلام عليكم؟ أاستطيع التحدث مع السيد محمود .
-  نعم تستطيع ذلك .. لكن يجب أن أعرف من أنتم أولاً ...
- أنا الطبيب علي وهذا صديقي معتز...لقد أحضرنا معنا شيئا يخصكما أنت والسّيد محمود , ألستِ زوجته ؟ أعتذر منك لقد القيت نظرة سريعة إلى صورة العائلة المعلقة على الجدار  ..
- نعم أنا زوجته .. حسنًا تفضلا بالدخول سوف أعطي محمود خبراً بمجيئكما .
- تفضلي ..
دخل الإثنان وجلسا على الأريكة ينتظران قدوم السيد محمود ..
نزل محمود عن الدرج مسرعاً فقد أصابه الفضول لمعرفة من جاء لزيارته ..
-         مرحبا أنا الطبيب علي وهذا صديقي معتز .. أحضرنا معنا شيئا يخصك وبعضًا من الاسئلة اذا تكرمت واجبت عنها سنكون مسرورَين .
-         تفضلا . ما هذا الشيئ هيا أخبراني ...
أخرج الطبيب علي علبة الموسيقى من الحقيبة وقدمها للرجل ... دُهش الرجل وانقض على العلبة واحتضنها وبدأ بالبكاء... إنّها علبة روز الموسيقية .. أين وجدتها أخبرني.. أين ؟ وأين ابنتي هل تعلم أين هي ..؟؟ أرجوك أعد لي نور عينيّ أرجوك ...ركضت زوجته من بعيد وجاءت تصرخ ... وتقول : إنّها علبة روز أين وجدتموها أرجوكم أخبرونا فأنتم آخر أمل لنا لرؤية ملاكنا الصغير أرجوكم ... وبدأت بالبكاء ....
-         حسناً سوف نتكلم ... سوف نخبركما بقصتنا الغامضة التي لم نجد لها سببًا أو حلاً منذ شهور ...
بعد أن انتهى علي من سرد القصة طرح سؤالا على السيد محمود :
-         ألديك شقيقًا يا ترى ؟
-         نعم لدي شقيقي التوأم الذي اختفى باختفاء طفلتي الصغيرة , وذهب نحو صورة معلقة على الحائط وأشار بيديه إلى مكان الصورة ...وقال :
-         هذا هو أخي  التوأم وهذه الصورة التقطت لهما في عيد ميلاد روز الأخير وهو اليوم الذي اختفيا فيه .. لم أخبركما أن روز ابنتي كانت تحب عمها كثيراً ويلاعبها طيلة الوقت حتى جاء اليوم الذي فقدت فيه النطق بسبب حادثة مريبة بعض الشيء ولم نعلم من المسبب لهذه الحادثة ليومنا هذا, وبعدها  لاحظنا عدم اهتمامها لوجود عمها أو رغبتها في اللعب معه .
-         اعتذر منك فهذه احداث مأساوية وجعلناك ترددها أمامنا ... الآن أريد أن اطمئنك أنّ أخاك  بخير وعافية وهو الآن في المشفى حيث أعمل وسوف آخذك إليه .
 فَرِح السيد محمود بالخبر واخيراً سيجد أخاه الذي فقد .. وربما سيعلم عن سبب اختفاء ابنته بالحديث معه .
وصل الطبيب علي والسيد محمود إلى المشفى .. وصعدا حيث ينام السيد فؤاد ..
 هرع السيد محمود نحو السرير وبدأ بتفحص ملامحه ..
-         أخي العزيز , وأخيراً وجدتك كم اشتقت إليك يا أخي .. وبدأ بالبكاء ..
استيقظ فؤاد من نومه مصدومًا . واستمرّ بالصمت طيلة المدة التي مكث فيها أخوه إلى جانبه . ولم ينطق بحرف واحد .
-         يا أخي أرجوك أخبرني ما حصل لك؟ وأين هي ابنتي روز هل شاهدتها أوعرفت عنها شيئا ؟ لقد اختفت باليوم الذي اختفيت فيه .. وقد ظننتها معك ..وفرحت كثيراً لذلك ..فهي بالمطلق ستشعر بالأمان مع عمها الحبيب ..
لكن فؤاد التزم الصمت .. ولم يُجِب عن أي تساؤل ..
    -الطبيب علي: اعتقد بأنً المريض متعباً قليلاً .. ربما سيتحدث معك في يوم آخر عندما  يشعر بالتحسن ..
   - حسنا يا أخي لن أضغط عليك .. بالشفاء إن شاء الله..
  قرّر علي أن يصطحب السيد محمود حيث وجد العلبة و أخذ معه الحذاء الأحمر أيضاً .. وأخبره  بأنّه قد وجد العلبة والحذاء هنا .. وبأنّ العلبة كانت صالحة عندما تناولها من الأرض ولكن وبشكل مريب قد انتُزعت الدمية الراقصة من داخلها ولا يدري مَن السبب في ذلك ..
-         السيد محمود: هذه العلبة كانت هدية فؤاد لروز في عيد مولدها .وكانت تحمل دمية راقصة ذات رداء وردي يشبه رداء روز في دروس الباليه .. وقد صممت خصيصا لروز والموسيقى التي بداخلها هي الموسيقى الخاصة التي لحنها فؤاد هدية لها في عيد مولدها .
-         هذا أمر غريب فعلا ..هناك عقدة في هذه القصة ويجب أن نحلها للتوصل إلى نتيجة مُرضية في هذه القضية .
-         نعم أعتقد أن ابنتي قد مرت بظروف صعبة لكنني لم أحبذ أن أُخبر زوجتي بهذا الشيء ..فأنا أشعر بأن هناك خطر يحيط بها ..
  اتصلت ليلى بالطبيب علي
-         مرحبا أيّها الطبيب يجب أن تأتي حالاً .
جاء الطبيب مسرعاً إلى غرفة المريض فؤاد ويصطحب السيد محمود معه .
-         ماذا هناك؟ لماذا استدعيتني هل حصل للمريض أي مكروه ؟
-         اسفة جدًا لم نلحق به .. لقد وجدناه ميتًا في سريره يبدو أنّه قد انتحر ..لقد وجدنا  حقنة بجانبه وقد أخذناها للفحص , لكنني وجدت هذه الدمية ملقاة بجانبه ..
-         ماذا! من أين أتيت بالدمية؟ هل حقا كانت بجانبه .إّنها الدمية الراقصة التي اختفت مِن علبة الموسيقى ,أمسك السيد محمود بالدمية وتأكد منها ..حيث حُفرت أحرف فؤاد وروز الأولى على رجلها اليسرى ... وكانت كما قال ..إنّها الدمية نفسها ! نعم إنها دمية ابنتي .. وبدأ بالبكاء مجدداً .. يبدو أنّنا لن نجد روز أبداً.. أعتقد بأنها قد ماتت ..
-         وفجأة ظهرت على المرآة رسالة بقلم الألوان ... " عثرتم على حذائي ولم تعثروا عليّ" ابحثوا جيدا..
هرع الجميع إلى مكان الحذاء وتوسعوا بالبحث في تلك المنطقة .. وعند أغصان شجرة مكسورة على حافة المنحدر كان ثوبها الأسود ممزقا وعالقا بين الأغصان ..
نزل السسيد محمود ومعتز وعلي الى اسفل المنحدر ,فوجدوا جثة الطفلة روز محصورة بين صخرتين ولصغر حجمها لم تظهرحيث كانت المنطقة مهجورة ولا يقترب منها أحد ..
-         بعد عدة أيام جاء المحامي إياد للتحدث مع السيد محمود وطلب وجود الطبيب علي في الجلسة .
-         قبل وفاة السيد فؤاد .. طلب مني المجئ لأخذ وصيته وقد اخبرني أن افتحها بعد وفاته بعدة ايام وأن أتاخر قليلا  .. وطلب أيضا وجود الطبيب علي وأخوه السيد محمود عند فتح الوصية .
-         بدأ المحامي إياد بقراءة ما كتب في الوصية .. :
-         أنا السيد فؤاد اكتب كلامي هذا وانا بكامل قواي العقلية سأخبركم بالأحداث الغامضة التي اصابتكم هذه الأيام .. كنّا أنا والسيد محمود طفلين سعيدين نلعب ونلهو كباقي الأطفال .. محمود كان طفلاً شقيًا .. وأراد صناعة بعض المفرقعات ليخيف بها والدتي .. محمود وأنا لا نختلف بالشكل بل نحن توأمان متطابقان  بكل شيء إلا أنّ محمود كان شقياً وأنا كنت انطوائياً .. قرر محمود في يوم من الأيام أن يصنع بعض المفرقعات وقد احتاج القليل من الأوراق وأيضًا أراد أن يضع التهمة عليّ حتى يتخلص من العقاب فارتدى ثيابًا تشبه  ثيابي .. فحتى والدانا لم يستطيعا التمييز بيننا بالشكل .. وقام بفتح خزنة أبي وأخرج بعضا من الأوراق وقام بصنع المفرقعات .. وفي لحظات المساء وأمي تقف بالمطبخ  قام محمود بجريمته الطفولية .. وقد شاهده أبي وظنّ بأنه أنا .... وهرع إلى المطبخ بعد صراخ أمي ووجد الأوراق متناثرة هنا وهناك .. وعندما اقترب من الأوراق وجد بأنّها مهمة جداً .. يقدر ثمنها بملايين الدولارات .. اقترب أبي مني ظانا منه بأنني من قام بهذه الخدعة فقد كنا نرتدي ثيابا متشابهة وبدأ بضربي واستمر الضرب والتعنيف شهوراً عديدة .. و بعد أن أفلسنا بسبب هذه الحادثة  زادت حدة الضرب وتنوعت طرق التعذيب ..والتزم أخي محمود بالصمت خوفا وأنا التزمت أيضا فقد كنت أحب أخي وأخاف أن يُضرب مثلما ضُربت .. بعد أن أصبحنا فقراء أُصبت بالاكتئاب سنين متتالية ولم يعالجني أحد ..وكان أبي يقول بأنني استحق ذلك وليس هناك أي نقود لعلاجي فالطعام والشراب أهم من صحتي النفسية .. وتُركت بلا أي اهتمام وكان كل الاهتمام لأخي .. حاولت تناسي القصة هذه سنين عدة حتى كبرنا وتزوج أخي بامرأة جميلة وأنجبا روز .. كنت أحب روز كثيراً.. وكنت أُلاعبها طيلة الوقت لكن عندما بلغت العاشرة من العمر بدأت تشبهنا كثيرا بالملامح لكنها تشبه محمود بشقاوته .. فكنت أراها محمود كلما اقترب منها ..ولم أتمالك نفسي ليلا وفي عيد مولدها أحضرت سكينا وبدأت بجرحها بهدوء وهي نائمة حتى تناثرت قطرات دمها في كل مكان وعندما راتني أُصيبت بالصدمة ولم تنطق بحرف واحد لابويها .. وبعدها خفت أن يراني أحد فاختطفتها ووضعتها في غرفة قذرة ومارست كافة أنواع التعذيب وكنت مع كل ضربة أحس بالراحة وكل شدة شعر أشعر بالنصر وكل دمعة منها تقربني للإنتقام من محمود ومن أبي حتى جاء اليوم الذي ماتت فيه طفلتنا الحبيبة روز بين يدي .. خفت كثيرا والقيتها على حافة الطريق فقد يراها احد .. لكن يبدو انها قد سقطت حيث اختفت جميع تفاصيل الجريمة  ..
أنا اصبت بحالة من الذعر وما وجدت نفسي الا واقعا مغشيا عليّ  في عرض الطريق أمام السيارات المسرعة..
والآن سوف تقرأون كلامي بعد وفاتي فقد قررت الإنتحار في هذا اليوم ومن ساعدني في ذلك روز نفسها ... فهي طفلة ذكية وجريئة ولن تترك انتقامها ليبرد ..
ليتني عدت طفلا .. لأكون جريئا  كما كانت  روز وأخبر أبي بما حدث حقا !!


انتهت القصة 
















تعليقات

المشاركات الشائعة